بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الرسم والتصوير / استراتيجيات التصميم (1): الفراغ

Design Strategies (1): Space    

 

أيهما أفضل! التصميم الفني أو التقني 

Which is Better! Artistic or Technical Design

في كثير من الأحوال عندما يقوم المصمم أو المهندس بإنشاء الفكرة وتحويلها إلى مجموعة من الرسومات حتى يتم عرضها على العميل أو حتى على الجمهور، فقد يحتاج إلى عمل منظور للفكرة من عدة جهات لإظهار الفكرة، مثل أن يضع منظور جانبي وواجهات ومسقط أفقي وغيره، ولكن في بعض الأحوال الأخرى قد يكون المطلوب شيء أخر لا يتوافق مع مثل هذه الرسومات.

ففي بعض الأحوال قد لا تتطلب عملية تصميم الفكرة وتحويلها من خيال إلى فكرة مادية يمكن تحقيقها في الواقع إلى أن يقوم المصمم بعمل وتخطيط الفكرة وإنشاء وجهات المنظور أو عمل الواجهات والمساقط الأفقية وغيره تفصيلا، أو عرض المشروع على العميل باستخدام العديد من الأوراق، حتى يتم التأكد من أن الصور المعروضة تتضمن المعلومات التي ينوي نقلها.

يمكن أن يكون الأساس في العرض على العملاء أو الجمهور هو رسم الفكرة بشكل واضح يعبر عن جماليات ومميزات التصميم. فمثلا، لا يشترط وضع المنظور بالتفصيل بل يمكن رسم الفكرة في العرض المنظوري مع جعل الحواف والأطراف تتلاشي، أو قد يتم تحديد الفكرة بواسطة حدود مستطيلة تحدد حواف الصورة بشكل أكثر تجانسًا.

قد يكون هذا الأسلوب ملائم في بعض الأحوال عندما يكون العميل مثلا أو فريق العمل يحتاج إلى تغيير قرارته كثيرا، أو عندما يكون المشروع في المراحل الأخيرة، أو إذا كان مشروع العمل في حالة تطور وبالتالي يتم اتخاذ العديد من القرارات. ويصلح هذا الأسلوب إذا أراد المصمم أن ينقل من خلال الرسم التوضيحي الخاص به، سواء تم إنشاؤه يدويًا أو بالكمبيوتر، الكثير من الأفكار والكثير من التأثير البصري.

عندما تنوي كفنان إحداث تأثير كبير للمشاهد باستخدام التصاميم الملونة الخاصة بك، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يتعين عليك قضاء وقت طويل جدا في الرسم والتصميم وفي محاولة لتحقيق الكمال في العمل. بدلا من ذلك، يجب أن تنظر إلى الرسم الخاص بك بطريقة مختلفة. بدلاً من النظر إلى الرسم الخاص بك على أنه وسيلة لتوصيل معلومات التصميم فقط، يجب عليك أيضًا أن تبدأ في النظر إلى التصميم باعتباره تكوين مميز في حد ذاته.

وإن استخدام مبادئ التصميم في الصورة مثل الوحدة والتوازن والتناسب والإيقاع يمكن أن تساعد كثيرا في إنشاء تكوين مختلف ومميز، بالإضافة إلى أنها يمكن أن تساعد في اتخاذ قرار بشأن قضايا مثل التنسيق والموقع الأفقي والتماثل والحجم وغيره. إن المصمم الذي يبذل الكثير من الوقت والجهد لإنشاء تكوين مميز فإن ذلك سوف ينعكس في رسوماته وأعماله سواء بالنسبة لمن حوله من زملاء وفريق عمل أو العملاء والجمهور.

إن الأفكار والتكوين المميز يعمل على إثراء الرسومات والتصاميم الملونة، ولذلك يجب على الفنان والمصمم أن يأخذ في الاعتبار أهداف العمل. فمثلا، يمكن إنشاء تصميم مبسط إذا كان الهدف هو عرض الفكرة فقط، ويمكن استخدام العرض المنظوري المفصل لمختلف الوجهات إذا كان الهدف هو توصيل معلومات وبيانات معينة عن المشروع، وكذلك أن يتم التفرقة بين العمل بهدف العرض على الجمهور والعملاء والعمل بهدف توضيح فكرة معينة أو متابعة وتطوير مشروع معين.

أهمية المسافة في المنظور 

The Importance of Space in Perspective

عندما تنظر إلى أعمال رسامي التصميم المحترفين، قد تلاحظ أن هناك كائنات وعناصر تظهر قريبة جدًا من المشاهد، واعتمادًا على ما إذا كان المنظر داخليًا أو خارجيًا، قد تلاحظ كائنات وعناصر بعيدة أيضًا. عادة ما يتم التركيز على الرسم التوضيحي بين هذه الكائنات والعناصر القريبة والبعيدة. ولتحقيق ذلك يمكننا تقسيم الرسم أو العمل الفني إلى ثلاث مناطق رئيسية وهي: المقدمة والوسط والخلفية.

حيث مقدمة الرسم تكون الأشياء القريبة، ومنطقة الوسط في المعتاد تحتوي التكوين الرئيسي، أما منطقة الخلفية فتضم العناصر البعيدة والأشياء التي تكون في الخلفية مثل السماء والمناظر البعيدة وغيره. يقوم الفنان والمصمم بتنسيق الرسم بين الثلاث مناطق باستخدام المنظور أو أي شيء أخر وذلك لعرض الفكرة بالشكل اللائق.

إن أخذ المسافات بين العناصر وأجزاء التكوين له تأثير سحري على جمال المشهد. حيث أن المسافات بين العناصر سواء العادية أو المرسومة في منظور تثير الاهتمام وتلفت الانتباه. إن الفراغ عكس الكتلة وإن رؤيتنا للفراغ تدفعنا لرؤية الكتلة وتفسيرها، حيث يمكننا إدراك وتفسير شكل الأشياء وفقا لما حولها من مسافات أو فراغات. والعكس صحيح، فإذا كنا نري الكثير من الكتل معا بدون فراغ فسيكون من الصعب إدراك وتفسير ما نراه.

وبناء على ذلك فإن الاستغلال الجيد لعنصر الفراغ أو المسافة يجعل الأشياء أكثر وضوحا ويبرز جمالها ومميزاتها. وكما يلعب الفراغ دور في التصميم فإن التداخل يعتبر عنصر مؤثر أيضا، فالكائنات والعناصر تختلف حسب المسافة بين المقدمة والخلفية، ومن الطبيعي أن نرى الكائنات العناصر تحجب بعضها البعض على التوالي وبشكل جزئي. وإن التداخل بين الكائنات والعناصر يعمل على إظهار طبيعة الأشياء وإظهار جمالها ووظيفتها.

إذا قمنا بالرسم والتصميم بهذا الأسلوب فإننا نعرض فكرة التصميم بشكل فني إلى حد ما، ونهتم بالجانب الفني على حساب الجانب التقني والذي يرتبط بالقياسات والمستويات وغيره من بيانات محددة، وقد يكون ذلك مطلوب في مرحلة معينة من العمل، عندما يكون الهدف هو إظهار أفكار وجماليات ومميزات خاصة بالمشروع. 

يختلف هذا النوع من الرسم الفني عن رسومات التصميم النموذجية التي تحتوي على الكثير من المعلومات التقنية ولا يوجد بها عناصر فنية أو حتى أشياء خلف أو أمام موضوع الرسم أو حتى في حالة وضع عناصر، فيتم وضع القليل من العناصر الرمزية فقط.

من المؤكد أنه لا حرج في رسم التصميم النموذجي، حيث يمكن إنشاؤه بسرعة وكفاءة لتوصيل أساسيات فكرة التصميم. ولكن التصاميم أو الرسومات الفنية ذات المقدمة والخلفية تستغرق وقتًا أطول قليلاً في الإنشاء، ولكنها تكون أكثر إقناعاً بكثير. حيث أنها تميل إلى أن يكون لها تأثير بصري كبير، وذلك لأننا نرى العالم بهذه الطريقة.

من خلال الرسومات والتصاميم الفنية يمكن توصيل الكثير من المعلومات السياقية المهمة، وكذلك تضم هذه النوعية من الرسوم العديد من المميزات مثل توفير الكثير من الفرص لترتيب مجموعات القيمة الرئيسية للرسم (والقيمة هي التدرج من النور أو الأبيض أو الفاتح إلى الظلام أو الأسود أو الغامق) بشكل استراتيجي، وإمكانية عمل علاقات فعالة بين عناصر التكوين.

إن الخطوة الأولى لاستخدام المسافة أو الفراغ بشكل فعال هو تقسيم المسافات في مساحة العمل، بمعني أخر إن المسافة والفراغ هو أداة لتحديد طريقة العرض الخاصة بك. لعمل ذلك، قم بعمل تخطيط خيالي ثم قم بتحويله إلى فكرة مادية على ورق. ثم تخيل أنك تعمل مثل المصور الفوتوغرافي، الذي يخطط لتصوير لقطة في مكان ما، فهو يقوم بتنظيم أفكاره للحصول على أفضل لقطة حسب طبيعة المكان.

 فيقوم المصور مثلا، بتغيير مكانه حتى الوصول إلى أفضل لقطة منظورية للمشهد والتكوين، وكذلك قد يقوم بتركيز اهتمامه على جزء أو مجموعة أجزاء مهمة يريد إظهارها. ربما في بعض الأحوال قد تحتاج كمصمم أو كفنان أن تقوم بالدوران من جانب إلى آخر، أو استخدام خواص معنية للمسافة أو الفراغ مثل التكبير أو التصغير أو التراجع للحصول على لقطة أوسع وأكثر شمولاً وما إلى ذلك.

ربما تحتاج كمصمم أن تتعامل مع عناصر التكوين والمسافات بذكاء خاص يظهر جمال وجاذبية المشروع الذي تصممه. فمثلا، يمكن استغلال منطقة المقدمة، من خلال تضمين بعض الميزات أو وضع بعض العناصر الأمامية في مقدمة الرسم للفت انتباه المشاهد. وكذلك يمكن استغلال عنصر القيمة لأنشاء اهتمام بصري.

لضمان تحقيق تأثير بصري للمشاهد، يمكن إنشاء ورسم الفكرة وتقديمها في صورة مجموعة من دراسات القيمة. وكذلك يمكن وضع عنصر أو مجموعة عناصر مميزة تساعد على إبراز جمال الفكرة والتكوين مثل وضع عناصر مكملة تتناسب مع التكوين المعماري أو البناء، أو وضع عناصر إيضاحية مثل الأثاث، أو النباتات والحشائش وغيره، أو وضع عناصر وأشكال من نوع أخر أو عمل مزيج من كل ذلك.

ولكن يجب العلم أنه لا يجب وضع عناصر أو أشياء ليس لها علاقة بالفكرة المصممة، حيث يجب أن تكون العناصر الإضافية الموضحة في التصميم موجودة بالفعل أو من الطبيعي أن يتم وضعها في هذا المكان. وذلك لأن إضافة عناصر غير مبررة إلى التصاميم لأغراض تخص التكوين فقط يمكن أن يجعل العمل الفني يبدو مضللاً.

أمثلة عن المسافة في المنظور 

Examples of Space in Perspective

مثال (1): الشكل الأول

رسم تخطيطي لمنظور مطعم، الرسم يوضح المفاهيم الرئيسية عن المكان. حيث يوضح كيف كان يمكن أن يبدو المنظر لو لم يتم أخذ مسألة الفراغ أو المسافة في الاعتبار، حيث الفراغ يخلق الاهتمام بالمكان ويلفت الانتباه. قام المصمم بالاهتمام بالعناصر في منطقة المقدمة، على وجه الخصوص، بحيث تظهر متساوية وهادئة فتعبر عن الحالة المراد التعبير عنها. 

مثال (1): الشكل الثاني

بناء على الرسم التخطيطي في الشكل الأول قام المصمم برسم الشكل الثاني. حيث بعد فترة من الدراسة والتخطيط قام الفنان بعمل النموذج الثاني، حيث أراد توسيع نطاق العرض ليشمل المدرجات وأخشاب الخيزران وشجرة البونساي المحفوظة في أصيص. بالإضافة إلى العناصر النباتية قام المصمم أيضًا بوضع بعض الشخصيات في المطعم للمساعدة في إظهار أهمية المسافة بين العناصر، وخاصة بالنسبة للشخصيات الجالسة. 

مثال (2): الشكل الأول

رسم تخطيطي لمنظور في منظر خارجي لمبني مخصص للمكاتب ومحلات البيع بالتجزئة. كما نلاحظ أن المبني يظهر مثل كيان معزول عما حوله، وكأنه خاليًا من أي سياق. 

مثال (2): الشكل الثاني

رسم تخطيطي لمنظور أخر لنفس المبني. وفيه قام المصمم بعمل منظور فني بهدف إظهار بعض مميزات وخصائص المبني. حيث قام المصمم برسم المبني بطريقة مميزة، حيث يمكن رؤية المبنى عبر التقاطع، في فناء الدخول لمبنى مجاور. كما نلاحظ أن الفنان أضاف بعض العناصر المعمارية المكملة والمواد النباتية وبعض الشخصيات بمقدمة للرسم. تعمل المسافة بين المبني والعناصر المكملة والعلاقات بينهم على لفت انتباه المشاهد لطبيعة المكان وعلى جعل المشهد أكثر وضوحا وجاذبية. 

وهذا هو الفرق بين التصميم الفني والتصميم التقني، حيث التصميم الفني يوضح الفكرة أما التصميم التقني فيوضح معلومات وبيانات محددة، وبالتالي، إذا كان الغرض هو الحصول على بيانات معينة فيُفضل عمل تصميم تقني، أما إذا كان التصميم يتم إعداداه لأغراض العرض فيُفضل إنشاء تصميم فني يضم تكوين جذاب يلفت الانتباه ويثير الاهتمام ويوصل رسالة المصمم.

 

أرجو أن تنال التدوينة إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله

 

المراجع والمصادر

"كتاب الرسم بالألوان - تقنيات ومهارات الرسم والتصميم للمهندسين المعماريين ومهندسي المناظر الطبيعية ومصممي الديكور الداخلي".

Color Drawing - Design Drawing Skills and Techniques for Architects, Landscape Architects, and Interior Designers

 

لمزيد من التواصل تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

حساب "مدونة ألوان" على فيسبوك.

حساب "مدونة ألوان" على انستجرام.

حساب "مدونة ألوان" على تويتر.