بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

التصميم الجرافيكي / مبادئ التكوين - عدم التماثل

Compositional Principles - Asymmetry

 

مبادئ التكوين - عدم التماثل

Compositional Principles - Asymmetry

إن عدم التماثل أو اللا تماثل هو عدم التناظر أو عدم التناسق أو عدم التطابق أو عدم التعادل أو عدم التناسب. وعدم التماثل هو عكس التماثل، حيث أن التماثل مبدأ فطري بالنسبة للإنسان، فمن المعتاد أن يرى مخ الإنسان الأشياء أو العناصر متماثلة، فيعتبر ذلك أساس في الإدراك البصري. فإذا وضعنا خط في منتصف صورة، فإن العناصر في النصف الأول هي نفسها العناصر في النصف الثاني، وهذا هو مبدأ التماثل.

وبناء على ذلك فإن عدم التماثل هو عكس التماثل أو التناظر، فإذا كان التماثل يعبر عن حالة التوازن، فإن عدم التماثل يعبر عن حالة اللا توازن. يسمي عدم التماثل بالتوازن غير المتكافئ Asymmetrical balance، ويسمى أيضًا بالتوازن غير الرسمي informal balance بمعني الأساسي أو التوازن الديناميكي dynamic balance، المقصود بعدم التناظر هو أن عناصر التكوين (هو وضع مجموعة من العناصر معاً بأسلوب متناسق لتعبير عن هدف ما) لا علاقة لها بالتوازن. وعدم التماثل هو مبدأ من مبادئ التكوين.

تظهر عناصر التكوين مثل الصور والكلمات وغيره بشكل لا يعكس بعضها البعض كما في مبدأ التماثل، بل على العكس تبدو عشوائية وديناميكية (متحركة)، وتفتقر إلى التوازن، وتظهر بصريًا بالنسبة للمشاهد بعيد المنال. ومع ذلك، يستخدم مصطلح عدم التماثل عادة لوصف نوع من التوازن لا يعتمد على التناظر.

غالبًا ما يحتوي التكوين الذي تم إنشاءه وفقا لمبدأ عدم التماثل على عنصر أو شكل واحد مهيمن على بقية العناصر، ويتم تعويضه بواسطة أشكال أو عناصر أصغر. بشكل عام، تميل التصاميم غير المتماثلة إلى أن يكون لها إحساس أكبر بالتوتر البصري من التصاميم المتماثلة. التوازن غير المتكافئ هو غير توازن غير رسمي ونشط وديناميكي ويعتمد بشكل كامل على عوامل مثل التباين والنقطة المقابلة في التكوين أو التصميم.

عدم التماثل في الطبيعة

Asymmetry in Nature

عدم التناسق في الطبيعة غير شائع وهو سمة تُعرف باسم "التفرد". تُعرَّف هذه السمة على أنها خاصية كائن (مثل كائن حي) غير متطابقة مع صورته بالمرآة. يتضح هذا تمامًا في ميل الشخص إلى استخدام يد واحدة بدلاً من الأخرى. هناك أمثلة أخرى مثل استخدام يد واحدة وعدم التناسق بين اليسار واليمين، حيث يمكن أن نرى ذلك في الطبيعة كما في رئة الدلفين اليسرى والتي هي أصغر من الرئة اليمنى، وذلك لإفساح المساحة للقلب المتمركز في الجانب الأيسر.

وأمثلة أخرى، يمكن ملاحظة أن هناك أنواع من السلطعون أو سرطان البحر تختلف فيها أحجام المخالب، فنجد أن له مخلب كبير الحجم أما باقي المخالب فذات حجم صغير. كذلك هناك بعض أنواع من الأسماك، يكون لها ناب قاطع طويل، ويمكن أن يصل طوله إلى 10 أقدام ويشكل حلزون. وهناك نوع من الأسمال لها عيون مفلطحة تقع على جانب واحد من رأسها مما يجعلها تسبح مع جانب واحد لأعلى، وهناك العديد من أنواع البوم التي يساعدها حجم آذانها وموقعها داخل الرأس في تحديد موقع فرائسها.

خصائص وصفات عدم التماثل

Asymmetry Compositional Characteristics

يتحقق عدم التناسق عندما لا يعكس أحد الجوانب في التكوين أو التصميم الجانب الآخر أي عكس التناظر الذي يكون فيه الجانبين متطابقين. التوازن غير المتماثل هو نوع من التوازن المرئي يتم فيه تنظيم العناصر بواسطة مصمم جرافيك بحيث يختلف أحد الجانبين عن الآخر دون التأثير على الانسجام الكلي للتكوين.

وبناء على ذلك، عندما يكون التكوين غير المتماثل غير متوازن بشكل مبالغ فيه، فإن النتيجة تكون مزعجة ومربكة. إن عدم التماثل هو مبدأ من مبادئ التكوين يستخدم في الجرافيك ديزاين، ولكن يجب العلم أنه لعمل تصميم أو تكوين بالاعتماد على مبدأ عدم التماثل فإن ذلك سيكون صعب إلى حد ما. حيث أن التوازن غير المتماثل يكون أكثر تعقيدًا وأصعب في تحقيقه بالمقارنة بالتوازن المتماثل.

كل عنصر من عناصر التكوين له وزن مرئي والمقصود بالوزن المرئي هو أن شكل العنصر يخلق إيحاء بالوزن والثقل، وقد يكون ذلك بسبب حجم العنصر، لونه، وضعه في الفراغ، الظل والنور الخاص به وغيره. تتضمن عملية التصميم تنظيم العناصر في التكوين بطريقة تسمح للعناصر ذات الوزن المرئي المتغير بموازنة بعضها البعض حول خط (محور) أو نقطة محورية.

 

يمكن تصور ذلك بشكل أفضل من خلال وضع مقياس خيالي عن التوازن يمثل أوزان العناصر المرئية في تكوين ثنائي الأبعاد. فعلى سبيل المثال، يمكن وضع مجموعة عناصر متساوية الوزن في تصميم ثنائي الأبعاد، فستكون النتيجة خلق إحساس بالتساوي بين العناصر. ومثال أخر، من الممكن عمل توازن غير متماثل في التكوين من خلال وضع عنصر ثقيل الوزن مع مجموعة عناصر أخرى ذات أوزان أخف على جوانب متساوية من نقطة محورية. حيث أن مجموع العناصر الصغيرة يخلق توازن مع عنصر كبير.

قد تختلف العناصر عن بعضها البعض في التكوين على الرغم من تشابهها، فمن الممكن أن تكون العناصر ذات الوزن المتساوي تختلف مع العناصر ذات الكتلة (وذلك مثل كتلة كبيرة من الريش مقابل كتلة صغيرة من الحجارة)، ويمكن تنظيم وضعها بالتكوين، فيمكن وضعها على جوانب متساوية لنقطة محورية. وكذلك يمكن أيضًا إنشاء توازن غير متماثل للعناصر ذات الأوزان المرئية غير المتكافئة عن طريق إزاحة النقطة المحورية على هذا المقياس التخيلي.

إن التوازن غير المتكافئ أو غير الرسمي، يتصف بشكل عام بأنه أكثر نشاطًا وديناميكية (حركة) بالمقارنة بالتوازن المتماثل. يتم تحقيق التوازن المتماثل من خلال الاعتماد على عوامل مثل التكرار، أما التوازن غير المتماثل يتم تحقيقه من خلال الاعتماد على عوامل مثل التباين والنقطة المقابلة في التكوين.

إن عدم التماثل هو نتيجة الجمع بين عناصر التصميم المتناقضة، مثل النقطة والخط والشكل واللون وغيره، بالتساوي على طول محور التكوين. عدم التماثل هو أيضًا حالة يتم من خلالها تنظيم العناصر بطريقة غير منهجية وعضوية لتحقيق التوازن البصري. يعتمد هذا النوع من التوازن البصري على توظيف المساحة السلبية (الفراغات)، وإنشاء تفاعل حساس بين العناصر مع الحفاظ على سلامة العناصر بالتكوين، وتحديد مواقع العناصر ومدى قربها من بعضها البعض.

يعمل مبدأ عدم التماثل على خلق التوتر (حيث أن الفطرة البشرية تؤدى لرؤية الأشياء بطريقة متناظرة، فإن أي وضع مختلف للأشياء يخلق ازعاج في الرؤية وبالتالي ينشط العقل أي يخلق التوتر البصري). وكذلك يخلق مبدأ عدم التماثل انسجام وتوازن كلي عام في التكوين، مما يؤدى إلى تعزيز المعنى والرسالة في نهاية المطاف في التصميم الجرافيكي.

تتصف التصاميم المعدة وفقا لمبدأ عدم التماثل بأنها في حالة انسجام ونشطة وحركية بطبيعتها، وتنقل نفس الشعور إلى القارئ. وهذا ما يجعل مبدأ عدم التماثل مميز عن مبدأ التماثل على الرغم من أهمية مبدأ التماثل. حيث التصاميم التي تعتمد على التماثل فقط تكون فطرية بالنسبة للإنسان فيشعر أنها تقليدية ومكررة ولا تلفت انتباهه. لذلك قد يكون من الصعب على المصمم خلق حالة من التوازن والانسجام الكلي في التصاميم باستخدام مبدأ عدم التماثل.

تطلب التصاميم المعدة وفقا لمبدأ عدم التماثل أو غير المتكافئة أسلوباً أكثر انضباطًا وتحليليًا أثناء العمل، نظرًا لمتطلباتها الفريدة، حيث أنها تعتمد على موقع العناصر المتغير باستمرار. حيث يكون المصمم مطالب بتقييم وتحليل الحلول في عملية التصميم بشكل مستمر ومتسق، وأن يضع العديد من الاحتمالات للتصميم.

يتم ذلك مع الأخذ في الاعتبار أن العلاقات بين مواقع العناصر تختلف من عنصر إلى عنصر ومن حجم إلى حجم أخر سواء كانت هذه العناصر في مساحات إيجابية (شاغرة) أو سلبية (فراغات)، أو يتم التقسيم وفقا لمبدأ الشكل أو الأرضية (وهو تقسيم التكوين لأشكال وأرضية بمعني عناصر وخلفية). في التصميم الجرافيكي، يزيد اعتماد المصمم على مبدأ عدم التماثل في إنشاء تصاميم غير متكافئة، مما يؤدى إلى زيادة قدرة المشاهد على التنظيم والتمييز والتفاعل مع المحتوى المرئي والسردي.

أمثلة عن عدم التماثل

Examples of Asymmetry

التأثير المعاصر: جان تشيتشولد Jan Tschichold والطباعة الجديدة

وُلد يان تشيتشولد (ألماني، 1902-1974) في لايبزيغ بألمانيا، وهو الابن الأكبر لرسام لافتات وخطاط. درس الخط والحفر والطباعة وفنون الكتاب في أكاديمية لايبزيغ للفنون التصويرية وإنتاج الكتب. بعد فترة وجيزة من تأسيس نفسه كمصمم جرافيك، أصبح مدركًا للحاجة إلى إنشاء منهج جديد للطباعة.

في ذلك الوقت، كانت الطباعة تعتمد على مبدأ النوع أو التناظر المركزي، باستخدام الإطار والحدود والزخرفة لتوفير نسيج وتمييز وفردية لكل تكوين. عرف تشيتشولد هذا المنهج على أنه "أسلوب الصندوق المربع box block style" للطباعة، وكان يرى أنه منهج متوقع وتقليدي جداً وغير مثير للاهتمام وعفا عليه الزمن.

في أغسطس 1923، حضر معرض باوهاوس الأول في فايمار وسرعان ما بدأ في استيعاب فلسفة تصميم جديدة. تأثرت وأثرت عليها أعمال الفنانين والمصممين المعاصرين والرائدين. وكانت مبادئهم في العمل تعتمد على التحرير من القواعد والقيود التقليدية في ذلك الوقت وتزويد المصممين بقدر أكبر من الحرية والمرونة.

كان يعتقد أن المواد المطبوعة يجب أن تكون وظيفية بحتة وأن تكون مؤلفة بطريقة واضحة ودقيقة وإلا سيتم تجاهلها. ابتداءً من عام 1925، بدأ في إنتاج سلسلة من المقالات والمنشورات التي اقترحت ثورة جديدة في عالم الطباعة وكان ذلك هو المنهج الجديد في الطباعة الذي متأثر بحركة باوهاوس.

كان المنهج الجديد في عالم الطباعة يعتمد على مبدأ عدم التماثل، وإنشاء تصاميم بتكوين غير متماثل. وذلك بناء على تحديد الأهمية النسبية للعناصر. وفي ذلك الوقت كان يتم تفضيل استخدام نوع الخط (الفونت) sans serif، حيث كان يسمح بالاستغلال الإبداعي للمساحات البيضاء. 

تم تلخيص هذه المبادئ في نهاية المطاف في أطروحة تشيتشولد بعنوان Die Neue Typographie (الطباعة الجديدة، 1928) وأخرى بعنوان Typographische Gestaltung (الطباعة غير المتماثلة، 1935). يمكن ملاحظة مبدأ عدم التماثل في العديد من أعماله مثل ملصق (بوستر) Konstruktivisten عام 1937. هاجر تشيتشولد وعائلته إلى بازل بسويسرا، في الجزء الأخير من حياته، وفي النهاية احتضن تشيتشولد كلاً من التماثل وعدم التماثل، وكذلك استخدام كل من أسلوب طباعة serif و sans serif في عمله.

التأثير المعاصر: بيت تسوارت Piet Zwart والتوتر غير المتكافئ

وُلد بيت تسوارت (هولندي، 1885-1977)، وهو حرفي ورسام ومهندس معماري، في زانديجك، وهي منطقة صناعية شمال أمستردام. من عام 1902 إلى عام 1907، التحق بمدرسة أمستردام للفنون والحرف حيث أصبح مهتمًا بالهندسة المعمارية. اشتملت أعماله المبكرة على تصميم المنسوجات والأثاث والديكورات الداخلية.

تأثر تسوارت بالعديد من الحركات الحديثة والرائدة في أوائل القرن العشرين، واتبع مبادئ الحداثة، وكان من أوائل المصممين الحداثيين في هولندا الذين طبقوا مبادئ de Stijl و Constructivism على الإعلانات التجارية خلال عشرينيات القرن الماضي. من عام 1921 إلى عام 1927 عمل تسوارت لصالح H.P Berlage وصمم أول إعلان من بين العديد من الإعلانات لشركة Laga، وهي شركة هولندية لتصنيع الأرضيات.

كانت الإعلانات ملفتة للنظر وتتصف بالديناميكية والحركة. وكان يستخدم مبادئ حديثة مثل عدم التماثل والتوتر. وكان يستخدم الحروف المطبوعة في التصاميم، فكان يستخدم أشكال حروف من طابعات مختلفة. وكان قليلا ما يستخدم الصور في التصاميم، حيث كان يعتمد على أشكال الحروف، ولكنه لم يستخدمها أبدًا كزخرفة أو كزينة في التصاميم.

كان تسوارت يستخدم كل عنصر مرئي بالتكوين، سواء كان مطبعيًا أو فوتوغرافيًا، وذلك لإنشاء رسالة أكثر فعالية وقوة وتأثير. ورفض استخدام مبدأ التناظر التقليدي وقواعد الطباعة التقليدية.  كان تسوارت يرى أن التصاميم يجب أن يعتمد على قوة الإدراك البصري. فكان يرى أنه يجب رؤية التكوين على أنه مساحة أو مجال يؤدى لخلق العديد من الأشياء.

وذلك مثل التوتر البصري الذي ينبض بالحياة بمزيج من التوازن غير المتكافئ، والذي يتناقض مع حجم العناصر، ويخلق نوع من التفاعل الديناميكي بين الفضاء أو الفراغ الموجب (المساحات ذات العناصر الشاغرة بالتكوين) والسالب (المساحات الفارغة بالتكوين). والذي ظهر بوضوح في العديد من تصاميم تسوارت.

ابتكر تسوارت توليفة من وجهتي نظر متميزتين ومتناقضتين وهما العمل في وظيفة رسمية وتبني منهج جديد. لقد كان قادرًا على إنشاء لغة موحدة سادت على مدار الثمانين عامًا الماضية، وما زال له تأثيرًا قويًا حتى يومنا هذا على المصممين المعاصرين.

 

أرجو أن تنال التدوينة إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله

 

المراجع والمصادر

مدرسة التصميم - تخطيط الشبكات.

Design School - layout

 

لمزيد من التواصل تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

حساب "مدونة ألوان" على فيسبوك.

حساب "مدونة ألوان" على انستجرام.

حساب "مدونة ألوان" على تويتر.