بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

التصميم الجرافيكي / النسبة الذهبية وتاريخ الفنون

The Golden Ratio and Art History

 

النظم النسبية

Proportional Systems

إن التصميم الجرافيكي يرتبط بتجربة التوازن البصري، لأنه يدرس علاقة الأجزاء ببعضها وبالمجموع، والتوازن البصري شيء أساسي مطلوب في جميع فروع الفنون مثل الرسم أو النحت أو الهندسة المعمارية أو الموسيقى أو النثر أو الشعر، حيث يتم ذلك بطريقة منهجية تتعلق بإحساس خفي لدى الفنان عن التناسب الحقيقي.

نحن كبشر يمكن أن نرى معظم ما تراه العين ممتعًا، وكذلك متوازنًا ومتناغمًا وله علاقة واتصال بقواعد النظام النسبي. أي أن الإنسان مولود بفطرة التوازن والمثالية. لا يحتاج لكي يتعلمها. يمكن تعريف "النسبة" كالآتي:

النسبة هي العلاقة المنتظمة بين عنصر وآخر في أي تصميم أو تكوين معين. في التصميم الجرافيكي، تعد النسبة أحد مبادئ التصميم والتخطيط الأساسية التي يتم تعريفها على أنها علاقة تكاملية للأحجام داخل التصميم أو التكوين.

هذه العلاقات متكاملة وشفافة وتعمل كإطار أساسي لجميع عناصر التكوين. تمثل النسبة أيضًا العلاقة الحرجة لجزء واحد من التصميم أو التكوين بجزء آخر أو بكامل التصميم أو التكوين الكلي، وهذه العلاقات ترتبط بأشياء مثل الحجم أو الكمية أو الدرجة. وبشكل عام، الهدف من أي نظام نسبي هو إنتاج وإظهار التماسك البصري والانسجام والتكامل بين عناصر أي تكوين أو تصميم.

إن النظم النسبية تشكل أساس في تاريخ الفنون عبر الزمن، كما في تصميم أكبر المعالم والآثار الفنية والسياحية، مثل أهرمات الجيزة، معابد البارثينون، لوحة الموناليزا ليوناردو دافنشي، وأعمال مايكل أنجلو.

نظم نسب إقليدس

The Euclid's Proportion

كان عالم الرياضيات اليوناني إقليدس Euclid والذي ظهر في منتصف القرن الثالث والرابع قبل الميلاد، المعروف أيضًا باسم "أبو الهندسة". وكان أول من وضع نظرية النظم النسبية وقام بصياغتها في كلمات وصور. حيث قام بتقسيم الخط إلى قسمين بحيث تكون نسبة الخط بأكمله إلى الجزء الأكبر هي نفس نسبة الجزء الأكبر إلى الأصغر.

تُعرف هذه النظرية التناسبية باسم "النسبة المقدسة The Divine Proportion". وهي تفترض مجموعة من النسب الرياضية عن الخطوط. في الصورة أدناه، بفرض أن لدينا خط مستقيم. لو تم تقسيم الخط لجزئيين واحد كبير والأخر صغير، فإن العلاقة النسبية بين الجزء الأكبر (AC) إلى الجزء الأصغر (BC) تساوي العلاقة النسبية بين الجزء الأكبر (AC) إلى المجموع أو الكل أو الخط كله (AB).

وهي تساوي الرقم 1.61803، ويمكن صياغة النسبة بشكل رياضي كالآتي:

AC/BC = AB/AC = 1.61803

أو تساوي 1+ الجذر التربيعي لـ 5 على 2.

ويعني ذلك أن قسمة خط باستخدام هذه النسبة يعني أن العلاقة بين الجزء الأكبر من الخط والجزء الأصغر من الخط هي نفس العلاقة بين الجزء الأكبر والكل أو المجموع. وعلى أساس نظرية إقليدس ابتكر المؤلف والمهندس المعماري والميكانيكي فيتروفيوس Vitruvius (الإيطالي الجنسية، وظهر في 80-70 قبل الميلاد) صيغة رياضية لتقسيم العلاقات في المكان في التصميم والتكوين.

ابتكر النظام النسبي، والذي كان معروف باسم "النسبة الذهبية golden section" أو القطاع الذهبي، أو المتوسط الذهبي golden mean، أو المستطيل الذهبي golden rectangle. حيث كان النسبة مبنية على إنشاء علاقة محددة أو نسبة معينة بين أضلاع المستطيل الأطول والأقصر، وهو نفس النظام الذي استخدمه الإغريق في فنون العمارة.

ومن أشهر الأعمال الفنية التي تعتمد على استخدام النسبة الذهبية هي رسم ليوناردو دافنشي (الإيطالي الجنسية، 1452-1519) لرجل فيتروفيان Vitruvian man، والذي ظهر لأول مرة عام 1509 في كتاب بعنوان De divina proportione أو "النسبة المقدسة Divine Proportion". قام بكتابته عالم الرياضيات والراهب الفرنسيسكاني "لوكا باسيولي Luca Pacioli" (إيطالي الجنسية، 1445-1517). حيث كتب كثيرا دافنشي فيما مضى في دفاتر ملاحظاته عن نسب جسم الإنسان.

حاول لوكا باسيولي تقنين نظام نسبي بناءً على دراساته عن الشكل البشري، فضلاً عن ملاحظاته وقياساته العديدة لنسب لجميع أجزاء جسم الإنسان. وأشار في هذه الدفاتر إلى أعمال فيتروفيوس. ولقد استخدم العديد من فناني عصر النهضة لاحقًا النظم النسبية كمبدأ تصميم أساسي في أعمالهم الفنية.

فعلى سبيل المثال، في القرن الخامس عشر، وضع وحدد فنان الرسم والطباعة ألبريشت دورر Albrecht Dürer (ألماني الجنسية، 1451-1528) خصائص جسم الإنسان، والتي كانت متوازنة بصريًا وشديدة الجمال، فكانت تعتمد على طريقة معينة في قياس وتوثيق نسب أجزاء جسم الإنسان بدقة.

العلاقات النسبية الأساسية

Basic Proportional Relationships

أصبح مبدأ النسبة الذهبية يستخدم في كل مجالات الفنون حتى يومنا هذا. إن استخدام النسب في التصميم والفنون يعطي إحساس قوي بالتوازن والتماسك البصري، من خلال البنية المرئية. في علاقات النسب الأساسية، تحدد الأبعاد الخارجية للعناصر أسلوب تنسيق التكوين، وهو عبارة عن شكل ثنائي الأبعاد.

إن الأشكال الهندسية الأساسية والمربع والمستطيل العمودي والمستطيل الأفقي كلها أشكال ذات نسب فريدة تؤثر بشكل مباشر على خصائص التكوين. حيث يمكن أن يكون لنسب الأشكال أو أبعادها الخارجية علاقات متكاملة بأقسامها الداخلية والأشكال المحاذاة. تؤثر الأبعاد الخارجية على اتجاه رؤية المشاهد.

تؤثر الأبعاد الخارجية للعناصر على النسبة النهائية للتكوين ككل. وكذلك يمكن أن توفر العلاقة بين الأبعاد الخارجية والأقسام الداخلية أيضًا نظام النسب الذي يكون له تأثير كبير على طريقة المصمم في اتخاذ وإدارة قرارات التصميم. تم استخدام نظم النسب لعدة قرون في مختلف مجالات الفنون مثل الهندسة المعمارية والرسم والنحت والتصميم.

تعتمد نظم النسب على المقارنة بين مجموعة من الأحجام أو الكميات مع مجموعة أخرى. وعلى الرغم من أن هذه النسب يتم التعبير عنها بشكل شائع بصيغ ومعادلات رياضية، إلا أنه يمكن أيضًا التعبير عنها كعلاقات مرئية.

النسبة الذهبية

Golden Section

القسم الذهبي أو النسبة الذهبية هي نسبة تعود إلى الإغريق القدماء ولها خصائص عن النسبة والتناسب والتي تخلق جمال فنياً وتكامل في التكوين والبنيان. يعتمد القطاع الذهبي على النسبة التقريبية (8:13) وتظهر في العديد من الفنون المرئية بما في ذلك الرسم والنحت والتصميم الجرافيكي والهندسة المعمارية وغيره.

كما في معظم نظريات النظم النسبية، يمكن استخدام القسم الذهبي لإنشاء علاقات متناغمة في نسب الصفحات وطرق تنسيق عناصر الشبكة وأحجام العناصر المرئية في التكوين أو التصميم. يمكننا أن نجد النسبة الذهبية في كل شيء حولنا سواء في الطبيعة أو في التراث البشري وعبر تاريخ الفنون المرئية والتطبيقية.

يمكن رؤية النسبة الذهبية في الحياة كما في الأنماط التي تشكل هيكل أكواز الصنوبر وأصداف النوتيلوس وأقراص العسل وأنماط البذور الموجودة في مركز عباد الشمس وجسم الإنسان. حيث يمكن ملاحظة سلسلة من العلاقات الممتدة التي تعطي شعور قوي وواضح بالتناغم والجمال لأن أبعادها الداخلية ترتبط في الحجم بنسب المربع الأصلي وامتداداته. 

يمكن توسيع نطاق النسبة الذهبية من خلال استخدام مستطيل بدل من مربع. استخدم الإغريق نسب المستطيل الذهبي. واستخدم الإغريق النسبة الذهبية كأساس لغالبية تصميمات تخطيط المدن والهندسة المعمارية. مثل المهندس المعماري فيدياس (اليوناني، 480-430 قبل الميلاد)، مهندس التخطيط الرئيسي للأكروبوليس في أثينا، وإيكتينوس (اليوناني، حوالي 400 قبل الميلاد)، المهندس المعماري لمعابد البارثينون، فقام معظمهم بتقييم واستخدم القسم الذهبي في عملهم.

كذلك استخدمه فنانو عصر النهضة لخلق انسجام وتوازن شامل في أعمال الموسيقي والنحت والرسم. فقد استخدمها أنطونيو ستراديفاري (الإيطالي، 1656-1737) في تصميم وبناء آلاته الموسيقية، بما في ذلك آلة الكمان Stradivarius. كما تم استخدامها أيضًا في تخطيط وتصميم Stonehenge (Wiltshire، المملكة المتحدة، 1500 قبل الميلاد)، وكاتدرائية شارتر (شارتر، فرنسا، 1220)، كرسي LCW (المعروف أيضًا باسم Lounge Chair Wood) (1946) الذي صممه Charles Eames (أمريكي، 1907–1978)، ومشغل Apple iPod MP3 (2001) الذي صممه جوناثان إيف (بريطاني، 1967).

حتى يومنا هذا، يستخدم مصممو الجرافيك القسم الذهبي كأداة تنسيق مثالية للتصميمات المطبوعة والرقمية. حيث أن التصميم أوالتكوين القائم على هذه النسب ترضي العين البشرية بشكل خاص. فعلى سبيل المثال، يشكل القسم الذهبي أساس أحجام الورق القياسية ISO نظرًا لأنها تعمل وفق نسب متجانسة، وتستخدم مبادئ القسم الذهبي كوسيلة لتحقيق التوازن في التكوين. ولكن لسوء الحظ، قل اعتماد مصمم الجرافيك على نظام النسب بسبب توفر العديد من الميزات والخيارات القياسات الجاهزة المتوفرة في برامج الكمبيوتر الحالية.

 

أرجو أن تنال التدوينة إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله

 

المراجع والمصادر

مدرسة التصميم - تخطيط الشبكات.

Design School - layout

 

لمزيد من التواصل تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

حساب "مدونة ألوان" على فيسبوك.

حساب "مدونة ألوان" على انستجرام.

حساب "مدونة ألوان" على تويتر.