بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

تصميم جرافيك /  التوتر البصري في التصميم الجرافيكي

Visual Tension in Graphic Design

التوتر البصري

Visual Tension

"التوتر يمثل المثالية والكمال."

ريتشارد باكمينستر فولر Richard Buckminster Fuller ، (1895-1983)، أمريكي الجنسية، مهندس معماري، مؤلف، ومخترع.

التوتر البصري Visual Tension  يعبر عن التوازن في العمل الفني، بين مجموعة من القوى أو مجموعة عناصر متعارضة. يعتبر مبدأ التوتر في الفنون المرئية مثل التصميم الجرافيكي أمر بالغ الأهمية والفعالية.

التوتر هو عنصر يعمل على جذب الانتباه، ويقلل الإحساس بالتوازن فيجعل قوى التوازن ضعيفة بين العناصر. يُثير التوتر أحاسيس مثل القلق والإثارة وله تأثير بالحضور الواضح والقوى على التصاميم الجرافيكية.

يؤثر التوتر في التصميم الجرافيكي كما يوثر التوازن بالضبط. فكلاهما مبادئ مترابطة في الفنون المرئية. بمعنى إنه إذا كنا نرى التوازن فإن العنصر المقابل له هو التوتر، كما في العناصر والأشياء في الحياة العادية مثل الليل والنهار، الأبيض والأسود وهكذا ....

فعلى سبيل المثال عندما يكون هناك شيء غير متوازن في حياتنا، فإننا نشعر بالتوتر والقلق. فمثلا عندما نشاهد تجربة جريئة مثل المشي على الأسلاك العالية في السيرك، فإن ذلك يجعلنا نشعر بعدم الارتياح والتوتر نظرًا لوجود احتمال دائم بأن لاعب السيرك قد يسقط. وبناء على ذلك يمكن أن يتم نقل نفس التجارب والعواطف والشعور في صورة رسالة مرئية.

خصائص التوتر البصري

يعتبر التوتر عنصر تركيبي مهم في التكوين أو التصميم الجرافيكي، ويعتمد أساساً على القوى البصرية المتعارضة. ينطبق الأمر نفسه في المجالات ذات الصلة بالفنون التطبيقية وفنون الأداء، مثل الهندسة المعمارية والموسيقى والرقص، فمثلا في الهندسة المعمارية يقترن الهيكل الضخم مع المنحنيات كما في برج إيفل ومتحف غوغنهايم.

ومثال أخر في الموسيقى، تتنافس الأصوات الصاخبة مع نغمات ناعمة في مؤلفات تشايكوفسكي وفيليب جلاس. وفي مجال الرقص، تبدو الحركة حادة وغير منتظمة  في نفس الوقت مع إيماءات سلسة ولطيفة في تصميم رقصات مارثا جراهام وميرس كننغهام.

يمكن تحقيق التوتر من خلال مجموعة واسعة من التناقضات والاختلالات بين العناصر المستخدمة والهدف والرسالة، والشكل والمحتوى، والنمط والملمس pattern and texture، والمقاس والنسبة والتناسب scale and proportion. إن التوتر ناتج عن قوى متعارضة وعلاقات غير محسومة، ليس فقط في الشكل المرئي ولكن أيضًا في المحتوى وطريقة السرد.

ومن الأشياء المهمة التي تؤثر في تحقيق التوتر هو استغلال عنصر الفراغ، فيمكن أن يؤدي التقارب بين العناصر إلى توتر بصري يجلب اهتمامًا واضحًا وديناميكيًا للتكوين. أو يمكن أن يخلق التباعد المنتظم الثابت بين العناصر توحيدًا بصريًا.

على سبيل المثال، يمكن أن تؤثر المسافة بين عنصرين أو أكثر ليس فقط على علاقتهم ببعضهم البعض ولكن أيضًا على شكل هذه العلاقة من قبل المشاهد. مع تحرك هذين العنصرين أو أكثر معًا، يمكن أن ينتج عن ذلك توتر بصري. فمثلا عندما يتلامسون، ينشأ شكل جديد بتأثير جديد، وعندما يتباعدون، تتباعد الصلة بين العناصر، وبالتالي يصبحون غير مرتبطين ببعضهم البعض.

يمكن لمصمم الجرافيك أن يفكر في التوتر على أنه حوار تتواصل فيه عناصر التصميم مع بعضها البعض. ويعبر هذا الحوار عن الكثير من الحالات المختلفة، فيمكن أن تكون نتيجة هذا الحوار هادئة وبسيطة، أو يمكن أن تكون صاخبة وفوضوية.

يعود السبب في ذلك إلى أن هذا الحوار أو عنصر التوتر يتأثر بشكل عميق بعدد العناصر وطريقة وضعها في التكوين. فمثلا يمكن لمجموعة عناصر متقاربة أن تُوحي بالتوتر وتساعد في إنشاء تكوين مميز وجذاب.

يمكن للعناصر المتقاربة إنشاء أنماط أو إحساس بالإيقاع أو علاقات مرئية أخرى، فيمكن أن تثير استجابة من المشاهد. ومع ذلك، يحتاج مصمم الجرافيك إلى أن يضع في اعتباره أن هذه المحادثة المرئية أو الحوار يجب أن تدعم دائمًا محتوى الرسالة والهدف من التصميم.

يمكن أيضًا أن ينشأ التوتر بسبب حالة عدم توازن عناصر التصميم في التكوين. فمثلا في حالة تصميم تكوين يعتمد على عدم التماثل (وعدم التماثل هو عكس التماثل، فالتماثل هو حالة يكون فيها العناصر في جهة عبارة عن انعكاس للعناصر في الجهة الأخرى، أما عدم التماثل فيُوحي بعدم النظام والترتيب ويعبر عن اللا توازن).

في هذه الحالة يؤدى وجود التوتر البصري إلى إنشاء استجابة للجاذبية بسبب مكان وضع العناصر، وحجمها، ووزنها، مما يؤثر بشكل واضح على العناصر الفردية.

يمكن أن يخلق درجات ومستويات مختلفة من الإثارة أو التوتر البصري (وفقا لدرجة عدم التوازن أو التماثل). إلى إثارة أحاسيس مثل التي تحدث في حياتنا الطبيعية، مثل حالات السعادة، الحزن، الغضب، الهدوء، البكاء، الضحك .... وما إلى ذلك.

مما يجعلنا نتواصل ونتفاعل معها بطريقة فورية عندما نرى تصميم أو تكوين ما يعبر عنها فنشعر فوراً بالهدف والرسالة من التصميم.  والتصميم الجرافيكي غالبًا ما يحتوى على الكثير من العلاقات المرئية الفعالة التي يكون فيها الأساس هو استخدام عنصر التوتر.

أمثلة عن التوتر البصري

Examples of Visual Tension

مثال (1)

يعد استخدام اللون ووضع ومكان العنصر عاملين رئيسيين في خلق توتر بصري في هذا التصميم لـ BPI ، وهي شركة تصميم إضاءة. يقع الاختصار الصغير المكون من ثلاثة أحرف دائمًا على الحافة السفلية مما يخلق التوتر البصري.

تم تصميم الأحرف الثلاثة بحيث يُعطوا إيحاء بالانحدار أو السقوط، يتم تعزيز هذا التوتر البصري باستخدام اللون الأصفر المضيء النابض بالحياة المستخدم باستمرار في كل أنواع ورق الشركة، سواء كان يعبر عن لون أو شكل  figure الحروف بالأصفر أو تم استخدامه كأرضية  ground  باللون الأصفر. 

مثال (2)

التصميم عبارة عن مجموعة من أغلفة الكتب لدار نشر، تم استخدام التوتر البصري كأداة لافتة للنظر. يتكون تصميم كل غلاف من مجموعة طبقات layers في شكل صورة فوتوغرافية عالية التباين باللونين الأبيض والأسود، وتم قلبها واقتصاصها في اتجاه غير عادي ومتضارب.

وفي نفس الوقت تم وضع تصميم يتكون من نمط pattern  (والنمط هو تكرار نفس العنصر على مسافات متساوية)، فهو عبارة عن مجموعة من النقاط فوق الصورة الفوتوغرافية. وتم استخدام ألوان مثيرة وجذابة للنقاط، تتناسب عندما يتم وضعها على خلفية من الأبيض والأسود فتُثير التباين والتضاد contrast.

 مما جعل التصميم يتصف بالتوتر ويثير الانتباه، وأيضا طريقة وضع النقاط على الصور لها تأثير جريء وديناميكي وملائم لموضوعات الكتب ومليء بأحاسيس عدم التوازن، التي تم جمعها في تكوين جذاب. 

مثال (3)

يُستخدم التوتر البصري كمبدأ لافت للنظر ولجذب الانتباه في هذه الملصقات أو الاعلانات الأربعة لشركات المسرح في مونتريال. حيث تثير أشكال الحروف المرسومة يدويًا، وكذلك الرسومات التوضيحية اليدوية مشاعر من الجرأة والعاطفة.

وتم إنشاء التكوين المطبوع وسطور الكلمات بشكل مائل أو بزاويّة مما يجعل التصميم مليء بالتناقضات الديناميكية أو الحركية والاختلافات الواضحة، ويمكن ملاحظة الاختلافات بسهولة بين الملصقات المسرحية الأربعة. 

مثال (4)

التصميم عبارة عن غلاف رواية تتحدث عن سجناء غوانتانامو، ينقل التصميم توتر بسيط غير متماثل على هذا الغلاف، فنشعر على الفور بالتجربة العاطفية للرواية. كما أنه يمثل الروح السياسية والعاطفية والمبادئ والمفاهيم ذات الصلة بأحداث الكتاب.

تم عمل خط بالطول يقاطع الغلاف والعناوين، مما يثير احاسيس التوتر، وتم توضيح رسالة الكتاب من خلال رسم خط على منتصف الغلاف، يشير بشكل رمزي إلى قضبان الزنزانة.

ولاحظ أن الخط عبارة عن جزء من صورة للشاطئ، مما يثير الرمزية في العمل الفني، فيُوحي بالمعني والهدف، فالخط عبارة عن بوابات لا تؤدى فقط إلى الشواطئ وإنما هي أيضا بوابات للسجن. 

 

مثال (5)

التصميم عبارة عن شعار برنامج لدعم القادة الشباب المتميزين الذين يقدمون مساهمات إبداعية وفعالة في مجتمعاتهم. تم تصميم شعار البرنامج في ثلاثة اتجاهات رأسية مثبتة مرتبطة ببعضها في الزاوية اليمنى العليا.

طريقة التصميم تجعل المشاهد يتجه ببصره إلى السماء، مما يخلق توترًا وإثارة بصرية يمثلان الهدف الأساسي من البرنامج وهو دعم القادة الشباب، بالإضافة إلى أنه تم استخدام الألوان أيضًا بشكل فعال لتعزيز الديناميكية في التكوين. 

مثال (6)

في هذا التصميم نلاحظ أن سطور الكلمات المطبوعة تتقاطع مع بعضها، على الرغم من أنهم موضوعين جنبا إلى جنب إلا أنهم مختلفين للغاية عن بعض. مما يثير التوتر البصري ويجعل المشاهد يلتفت إلى هدف التصميم. ولاحظ أيضا أن الألوان تخلق مستوى آخر من التوتر البصري. حيث أنها تتصف بالتشبع أو الكثافة القوية وتثير احاسيس التناقض مع بعضها البعض. 

مثال (7)

التصميم عبارة عن غلاف كتاب يتحدث عن الرغبة في المقاومة والدعم، وهو عبارة عن مجموعة قواعد رأسية موحدة الشكل تتقاطع مع عنوان الكتاب. تؤدى طريقة التصميم إلى خلق توتراً بصرياً بشكل قوي وفوري. وترمز إلى جوهر محتوى الكتاب، والذي يحتفل بابتكار التصميم في الهندسة الإنشائية. 

مثال (8)

تُظهر هذه الصفحات المنشورة من مكتبة مدرسة الفنون المرئية العليا، كيف يمكن اقتصاص الصور المتباينة والتي ليس لها علاقة ببعض أو غير المرتبطة، ودمجها معا أو إقرانها لإنشاء توتر بصري يُشعرنا بالتوازن في النهاية. وتقدم صور الكتاب تصميمات تعبر عن الوحدة والتماسك لكل صفحة على حدة، وعلى مستوى الكتاب ككل. 

 

أرجو أن تنال التدوينة إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله

المراجع والمصادر:-

كتاب "لغة التصميم الجرافيكي".

 "The Language of Graphic Design".

لمزيد من التواصل تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي

• حساب "مدونة ألوان" على فيسبوك.
• حساب "مدونة ألوان" على انستجرام.
• حساب "مدونة ألوان" على تويتر.