ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

الألوان / رحلة في أعماق الفنان

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الألوان / رحلة في أعماق الفنان


الألوان / رحلة في أعماق الفنان A journey Into The Depths of The Artist


في هذه التدوينة سنتحدث عن بعض النصائح الهامة التي تساعد الفنان على إنشاء لوحات أكثر واقعية, وكذلك سنغوص في أعماق الفنان في رحلة سنتعرف فيها على تأثير دور العقل الواعي والعقل الباطن, والعقل الفني والعقل المثالي. 

   

خلق وهم الحركة Creating the Illusion of Motion

كل العناصر مثل الطبيعة ,الإنسان, الحيوان أو غيرة يصعب تحركيها حتى لو تم العمل بكل طاقة وتركيز, بفرض أنك ترسم شلال فعندما تقوم بالتقاط صورة بالكاميرا, فأثناء التقاط الصورة في جزء من الثانية ستكون الصورة عبارة عن شلال معلق في الهواء يختلف عن الحقيقة وعن الطريقة التي يرى بها مخ الإنسان. ويمكن للفنان أن يخلق وهم حركة الماء عن طريق جعل ألوان الشلال البيضاء ضبابية أو ناعمة الأطراف soft edges.


مثال آخر عن تصوير ورسم أطراف الحيوانات أو البشر فلا تضع التفاصيل أو المعالم في الجزء الأمامي وقم بمزج الأطراف (الأرجل) مع الأرضية ويمكن أن ترسم 3/4 جسم الحيوان وتجعل ما خلفه غير واضح المعالم وبالنسبة للطيور البعيدة فأرسمها على شكل حرف v وباقي التفاصيل اجعلها ضبابية.


يمكن تطبيق نفس المبدأ على لوحات الحياة الساكنة Still Life (والتي تحتوى فقط على الجماد أو بعض النباتات), فمثلا اجعل نقطة التقاطع في وحدات الفاكهة بحدود ضبابية وتجنب الألوان المشتتة. أما رسم البورتيريه فلا تقوم بجعل الأذنين أو مؤخرة الرأس ضبابيا ولكن افعل ذلك في أجزاء الثياب والشعر, فقم بمزجهم مع الخلفية مع ترك بضع تفاصيل واضحة.


 (حواف الشكل المرسوم) الحدود البصرية Optical Edges

اي شكل نقوم برسمه فإن له محيط خارجي Outline أو مجموعة من الحدود أو الحواف, فمثلا إذا قمنا برسم مربع فإن المحيط الخارجي أو حواف أو حدود هذا الشكل هو الأربع أضلاع الخارجية.


فإذا كان الشكل الذى يرسمه الفنان في الواقع قريب منه فإن الحدود أو الحواف تكون واضحة المعالم والتفاصيل وتسمى في هذه الحالة "الحدود أو الحواف أو الأطراف الحادة أو الصلبة  Hard Edges". 


أما إذا كان الشكل المرسوم بعيد في المسافة كما بالواقع وبالتالي لا تظهر ملامح الشكل أو محيطه الخارجي بشكل واضح فهذه الحالة تسمى "الحدود أو الحواف أو الأطراف الضبابية أو الناعمة Soft Edges". 


الألوان / رحلة في أعماق الفنان

ويمكن للفنان أن يستغل تأثير عامل المسافة على وضوح الأشياء, فمثلا أن أراد الفنان أن ينقل الشعور ببعد بعض العناصر فيمكن أن يجعلها ناعمة الحدود  Soft Edges, والعكس صحيح إذا أراد الفنان أن ينقل شعور بقرب مجموعة عناصر فيمكن أن يجعلها صلبة الحدود Hard Edges.  


ملاحظات

  • الحدود الصلبة تجذب وتشد العين لأن تباين الألوان يكون واضح, أما الحدود الناعمة فتُشعرنا بعدم الوضوح في الرؤية وتركيز التفاصيل.


  • حاول عدم المبالغة في وضع أشكال بحدود صلبة لأنها سوف تجعل عناصر المشهد كلها تحت التركيز وستكون النتيجة مشهد بعناصر مشتتة لأن جميع عناصر المشهد تتنافس مع بعضها للظهور. وستبدو العناصر وكأنها ملتصقة على اللوحة.


  • ومثال عن استخدام الأطراف الحادة والناعمة بشكل ناجح, هو رسم منظر طبيعي حيث الأشجار في المقدمة واضحة التفاصيل كما يظهر في الأوراق والفروع, تكون ذات أطراف حادة Hard Edges أما الأشجار بالخلفية البعيدة لا يتضح بها تفاصيل مثل الأوراق أو الفروع, فتكون ذات أطراف ناعمة Soft Edges. وتطبيق هذا الأسلوب يُعطى العمل الفني الشعور بالمسافة والعمق والواقعية المطلوبة. 

 

  • يمكن تطبيق هذا المبدأ على كل مشاهد المناظر الطبيعية باستثناء صخور وقمم الجبال, لأنها تكون كبيرة وواضحة في الحقيقة. والتي إذا قمت بطمس تفاصيلها سوف تفقد شخصيتها وتأثيرها على العمل الفني.   


تحويل الأشكال الطبيعية لأشكال تجريدية Convert Natural Shapes to Abstract Shapes

عندما نرسم منظر طبيعي من الواقع يجب على الفنان أن يحاول استغلال قدراته الفنية في مراجعة المناظر الطبيعية, فيختار ويركز على الأشكال والعناصر الجميلة والجذابة, ويقلل ويحذف الأشكال والعناصر المملة وغير الجذابة. فيمكن للفنانين تصميم العناصر والأشكال في اللوحات لتبدو أفضل مما تبدو عليه في الواقع.


الفنان لا يعمل مثل المصور الفوتوغرافي الذى يقدم نسخة من الواقع, فالفنان يقدم وجهه نظره في الجمال, وبالتالي يحق له أن يقوم بتغيير ما يشاء, فيكبر أو يصغر حجم الأشكال والعناصر أو يبدل أماكن الأشكال والعناصر, فيجعل عنصر ما بالمقدمة بدل من الخلفية...وهكذا.


وهناك خطأ شائع يقع فيه الفنان المبتدئ وهو رسم الأشكال كما هي بالضبط في الواقع, مثل رسم اوراق وفروع الشجر كما هي بالضبط. ويكمن السبب في ذلك أن الفنان يحاول أن يصل لأكبر قدر من المثالية في اللوحة.


وللأسف قد يشعر الفنان بعدها بالإحباط الشديد, لأنه سيبذل الكثير من الوقت والجهد في رسم أشكال دقيقة وستكون النتيجة لوحة ممتلئة ومزدحمة للغاية بتفاصيل كثيرة غير مهمة وتضر ولا تُحسن مستوى العمل الفني.


ولعلاج هذه المشكلة يمكن للفنان أن يستغل الطبيعة لتكون هي مصدر المعلومات التي يستلهم منها موضوعات فنية, وبدل من أن يقوم بعمل نسخة طبق الأصل من الواقع ممكن أن يقوم بإعادة تنظيم الواقع في الاسكتش, فيقوم بترتيب وضع العناصر واختيار الحجم والمقاس المناسب لكل عنصر, ويحدد عناصر وأشكال الموضوع الرئيسية وعناصر وأشكال الموضوع الفرعية.


وبدل من أن يبذل الفنان الكثير من الوقت والمجهود في محاولات مضنية لنقل تفاصيل دقيقة, يمكن استبدال أسلوب نقل التفاصيل إلى تحويل الأشكال الطبيعية إلى الأشكال التجريدية Abstract.


والتجريدة تعنى أننا ننظر إلى الأشكال في الواقع, ثم نقوم بتبسيط الأشكال فنرسم الهيئة العامة للشكل التي تدل عليه, ولكن بدون تفاصيل وتركيبات معقدة, فعلى سبيل المثال يمكن تبسيط الشجرة الكبيرة إلى كتلة من الأوراق وجذع, أو يمكن تبسيط الطيور في السماء إلى الجناحين وجزء من الجذع, وللتبسيط مفهوم التجريدية  Abstractفبدل من رسم الشكل بتفاصيله كما هي قم برسم رمز يعبر ويدل عن هذا الشكل.


ونلاحظ أن أشكال وعناصر الطبيعة تبدو في الحقيقة جميلة ولكن بعد تصغيرها في اللوحة فإنها تفقد جزء من جمالها, ولهذا يجب على الفنان أن يكون قادر على ترجمة الأشكال الجميلة وتصغيرها إلى مقاس اللوحة الفنية.


وكما تحدثنا في الفقرة السابقة كلما كانت المسافة أبعد كلما كانت التفاصيل أقل والعكس صحيح.


العقل الواعي مقابل العقل الباطن  conscious Mind VS. Subconscious Mind

خلقنا الله تعالى وأعطانا القدرة على تمييز الجمال, فخلق الله الإنسان وهو يملك حس جمالي بالفطرة, وتحتوى الطبيعة على عناصر لا نهائية متنوعة أكبر من مجرد عناصر يمكن رسمها.


فمنذ كنا أطفالا فإن أول ما نفتح أعيننا عليه في العالم وأول شيء نراه ونشعر به هو المناظر المتناسقة في منازلنا من الداخل, فيتم طبع هذه الصور في العقل الباطن ويتم تخزينها إلى الأبد. منذ ذلك الحين وفي كل مرة نرسم فيها شكلاً، فإننا نستحضره من عقلنا الباطن ونُنشئ أشكال مثل دوائر ، أشكال بيضاوية ، مربعات ، خطوط مستقيمة...إلخ تدل على ما نتذكره من الواقع.


لقد مارسنا جميعا هذه التجارب في رسومات المدرسة الابتدائية. ولقد واصلنا العمل والتكرار بشكل مستمر ولكن يميل العقل الباطن إلى الاستمرار في الممارسات الطفولية لرسم الأشكال بدل من محاولة رسم الأشكال كما نراها في الحقيقة, فإذا قلت لزميل لك أرسم شجرة عيد الميلاد فسيقوم فورا بترجمة ورسم الشجرة إلى مجموعة أشكال مثلثة طفولية تعبر بشكل رمزي أو تجريدي يعبر عن شجرة عيد الميلاد.


ونستنتج من ذلك أن للإنسان عقل واعى conscious Mind ينظم العمل وفقا للنسب والمقاسات الصحيحة بطريقة منطقية ليجعلها في صورتها المثالية التي نراها في الحقيقة, وعقل لا واعى Subconscious Mind يرسم ما هو مخزن فيه من صور وأشكال محفوظة.


والفنان الجيد هو الذى يكون قادر على تطوير معلومات العقل الباطن من خلال التدريب والتكرار, فيرسم الشجرة بشكل واقعى متوازن وليس بشكل طفولي وسطحي.


ونتعلم من السابق أن الفنان يكتسب معلومات كثيرة من الطبيعة منذ الطفولة ويقوم بتخزين المعلومات في العقل الباطن وعندما يقرر رسم شكل يستخدم عقله الواعي لنقل الأشكال بشكل صحيح إلى الاسكتش اعتمادا على المعلومات المخزنة بالعقل الباطن.


وعند تكرار العمل والتدريب يزيد حجم وكمية المعلومات المخزنة بالعقل الباطن ويستطيع هنا العقل الواعي تنظيم وترتيب هذه المعلومات للحصول على أفضل النتائج وأقربها للواقع.


يستطيع الفنان أن يستغل عقله الباطن لتطوير مهاراته الفنية, عن طريق تحويل الأشكال البسيطة المخزنة إلى أشكال تصميمية ذات هيئة تجريدية  Abstract بالاعتماد على قدرات العقل الواعي في تصحيح الأخطاء بشكل منطقي. 


العقل المثالي مقابل العقل الفني  Symmetrical Brain VS. Artistic Brain

وإذا كان للإنسان لا وعي يكتسب منه المعرفة والمعلومات وله وعي يصحح الأخطاء, فإن الإنسان يملك القدرة على تفسير المعلومات التي يراها بشكل علمي دقيق وكذلك يملك القدرة على تفسير الجمال بشكل فطري دون تدريب.


فإذا نظر الأنسان إلى شجرة أمامه كان قادرا على تفسير ومعالجة البيانات التي يراها مثل الأشكال , الألوان, التفاصيل....وغيرها من المعلومات المنطقية. وبالإضافة إلى ذلك يستطيع الإنسان أن يرى ويفسر الجمال فيلاحظ الشكل الأجمل والأكثر جاذبية.


ويمكن تقسيم فصي المخ إلى:-

  • الجانب الايمن من المخ وهو العقل الفني Artistic Brainويفضل رؤية مظاهر الأشياء بشكل جمالي أو شعرى أو فنى, فيُفسر مثلا التفاحة الفاسدة على أنها قبيحة والتفاحة الناضجة على أنها جميلة.


  • الجانب الايسر من المخ وهو العقل المثالي Symmetrical Brain وهو مسئول عن الرؤية وتخزين المعلومات المرئية بالتفصيل وفقا للمنطق وللمسافة وبشكل متناظر. فيُفسر الأشكال بمبدأ التناظر والتماثل بمعنى أنه إذا كان هناك شكل ما تكون فيه العناصر على اليمين هي نفس العناصر على الشمال فإن هذا الشكل يتسم بالمثالية والتناظر والتوازن بالنسبة لمخ الإنسان, والإنسان يرى الأمور في الحياة بالتناظر فإذا كان ينظر لسلسة من الأشجار فإنه لا يفسر كل شجرة على حدة بل يقوم المخ بتطبيق مبدأ التناظر ليرى سلسلة الأشجار كلها.


ويعمل الفنان من خلال تدريب العقل الواعي من أجل التطوير, أما العقل الفني فلا يحتاج لمهارات معينة أو تدريب لأنه يعمل بالإحساس عكس العقل الواعي الذي يعمل بالمنطق.


يستطيع الفنان أن يستغل عقله الواعي لتطوير مهاراته في العمل ويستفيد من عقله الفني في اختيار وتصميم الأشكال الجميلة والجذابة لتضمينها في أعماله الفنية.


 

أرجو أن تنال التدوينة إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله



المراجع والمصادر:-

  • كتاب "أساسيات رسم المناظر الطبيعية – دروس في الألوان الأكريليك, الألوان الزيتية, ألوان الباستيل, والألوان المائية"

"LANDSCAPE PAINTING ESSENTIALS - LESSONS IN ACRYLIC, OIL, PASTEL AND WATER COLOR".   



لمزيد من التواصل تابعونا على وسائل التواصل الاجتماعي



ليست هناك تعليقات