ضع اعلان هنا

اخر الأخبار

الفن والثقافة / حقيقة الإبصار


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الفن والثقافة / حقيقة الإبصار




الفن والثقافة / حقيقة الإبصار

قال تعالى "قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ ﴿الرعد16 ".

تعنى الآية الكريمة أن الله تعالى خلقنا فى أحسن تقويم وأن من فضل خلقه علينا انه خلق لنا السمع والبصر والفوائد, وأن الحياه بدونهما صعبه وشاقة وكذلك هناك مقصد أخر من الآية الكريمة هو أن البصر المقصود ليس فقط متعلق بما نرى أو بجهاز الرؤية "العين" ولكن البصر المقصود هو أن ندرك معانى الأشياء وأن نرى معانى وأحداث الحياة لنتعلم منها ونترجم ذلك فى عقولنا وفى قلوبنا.

وبناء على ما تقوله الآية الكريمة أن ليس كل من يرى له بصيرة فقد يتساوى البشر فى الرؤية ولكن يختلفون فى الأدراك, على السواء بالنسبة للقلب أو العقل, فالأمر ذكر فى الآية الكريمة لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا  ﴿الأعراف 179, فقد يمنحنا الله نعمة الرؤية ومن خلالها قد نتمكن من التفرقة بين الحق والباطل ولكن قرارتنا فى الحياة تتوقف على ما نؤمن به.

وبالتأكيد أن الإنسان لا يملك قدرات جسدية خارقة ولكن يمكن أن يتسع عقله ليحتوى الكون وأسراره وليدرك عظيم خلق الله ونعمته عليه وعلى سائر المخلوقات, وفى النهاية المسالة تتوقف على الإنسان هل يؤمن بما يرى فقط, فالكل يعرف نعم الله ولكن مسألة الإنكار هى نوع من المكابرة فالكفر موقف وأخلاق وليس عدم معرفة أو جهل بالمعلومة.

وإذا كانت الحواس وخاصة البصر والسمع هى شبابيك ومنافذ الحياة, تفتح لنا بهجة الكون بلا حدود فوجب علينا أن نشكر الخالق كذلك بلا حدود, البصر ليس مجرد إرتسام صورة فى كما فى الكاميرا وإنما هو فهم وإنفعال وتذكر ومعلومات يقرر فيها العقل والذاكرة والعاطفة والضمير وبغير ذلك يكون البصر خاوى وهذا الذى يحدد الفرق بين الإنسان والألة حتى لو تفوقت التكنولوجيا على قدرات الإنسان.

إن الحياة دون نعم الحواس مثل الحياه فى الخلية أو مثل الحياة فى النباتات فى أبسط معانيها, ويمكننا أن نقول أن كل بهجة الحياة يمكن أن نشعر بها من خلال حواسنا الخمسة وبخاصة البصر والسمع, حتى أننا نرى القبح والجمال ,الرحمة والقسوة, وغيرها من المعانى نراها بقلوبنا وتدركها عقولنا.

هل يمكن أن نلخص الجمال إلى مجموعة من الصور المرئية أو الأصوات المسموعة التى يقوم الإنسان بتجميعها منذ طفولته, وقد يكون ما يتبقى للإنسان أو ما يعيش عليه فعلا من الحياة هو مجموعة من أرشيف الذكريات من الصور المرئية أو ذكريات من الأصوات المسموعة.

وبالتالى فإن السمع والبصر والفوائد نعم ووسائل خلقها الله للإنسان ليدرك بها ,و بالتالى نرى ما حولنا من أشياء ويتسع بصرنا لنبصر أنفسنا من الداخل, ولهذا هل يمكن أن نسأل عن الفرق بين البصر والبصيرة أو أن نقول أن البصيرة هى نعمة الحكمة ودليل ذلك هو وجود نعمة البصر, فإذا كان ذلك صحيح فما الذى فما هى الأشياء التى لا تتوفر فى نعمة البصر ولكنها تتوفر فى الحكمة أو فى نعمة البصيرة.

يمكن أن نلخص بعص عيوب أو نواقص البصر فى بعض النقاط التالية:-


الفن والثقافة / حقيقة الإبصار

  • العين ترى الأشياء ولكن لاترى النفس


فإننا نرى وندرك ما حولنا من أشياء ونقوم بتفسيرها ولكننا لا نستطيع أن نرى أنفسنا إلا عند استخدام مرآة, والمقصد هنا أننا نرى الشئ ونفسره بل ويمكننا أن نحدد عيوبه ومزاياه ولكن يصعب تطبيق ذلك على النفس البشرية فمثلا يمكن أن نرى عيوب الآخرين ولكن يصعب علينا أن نرى أو نعترف بما فى أنفسنا من عيوب أو أخطاء, وبالتالى لا يجب أن النظر إلى عيوب الآخرين فعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه, فيستخدم البصيرة ليرى ويُصلح عيوبه هو أولا.

  • نطاق ومجال الرؤية


يمكن أن نقول أن هناك مسافة معينة يرى فيها الإنسان بوضوح وإذا تغيرت هذة المسافة فإن الرؤية تكون غير واضحة, فالأشياء القريبة جدا من العين يصعب تفسيرها أما الأشياء البعيدة عن العين يمكن أن نراها ولكنها تكون غير واضحة المعالم, وهو الأمر الذى يسمى علميا نقطة المدى ونقطة الكثب, لقراءة المزيد.

وبالتالى إذا كانت العين لها نطاق أومجال ومساحة معينة تعمل من خلالها جيدا فإذا تغير هذا النطاق فعلى الإنسان أن يدرك الأشياء خارج نطاق الرؤية من خلال خبراته البصريه وما تعلمه فى الحياة, بل وإن الأمر يتعدى ليبصر الإنسان ما يشعر به فى داخل أعماق نفسه أو خارج قدراته ويتخطى حدود الزمان والمكان.

  • الرؤية من وراء حجاب


كما ذكرنا فى النقطة السابقة أن البصيرة تجعل الإنسان يرى بلا حدود ولهذا استطاع الإنسان أن يبلغ ما وراء الحجاب كما فى العلوم المادية والعلوم الإنسانية, فإذا وصل الإنسان لاكتشاف علمى فريد مثل نظرية النسبية فهنا يسقط الحجاب عن الشئ أو الظاهرة المجهولة, فتتحول الشئ أو الظاهرة المجهولة إلى ظاهرة ذات أسباب ونتائج.
وبناء على ذلك يمكننا القول أننا نكسر الحجاب لنصل لما نبحث عنه ولهذا يمكننا القول أن السماء حجاب والعقل حجاب والعلم حجاب وغير ذلك من حواجز أمام الإنسان يتخطها تجعل منه إنسان هذا العصر وليس كما كان فى السابق يعيش العصور الحجرية.

ولكن لماذا الرؤية من وراء حجاب؟ فإذا كنا مؤمنين بالله لماذا لا نرى ما نريد أن نراه ونعرفه مباشرة ولماذا على الإنسان أن يبذل الكثير من الوقت والجهد؟
خلق الله الكون فى ستة أيام وخلق السماوات والأرض ومهما بلغ من الإنسان بالعلم فإنه لا يمثل الكثير فى خلق الله, وبالتالى فإن الإنسان يحتاج للأسباب ليفسرها وبناء عليها يُكون النتائج ويغير التاريخ أما الخالق عز وجل فإذا أراد أن يخلق شيئا يقول له كن فيكون.

ولهذا خلق الله لنا الغيب أو هذا الحجاب رحمة منه بالإنسان لأنه غير قادر على استيعاب قدرات الخالق مباشرة بل جعل مسألة إدراك الغيب مسألة تدريجية تأتى بتفسير الأسباب وكذلك ليعرف الإنسان أن الله خلقه قادر على التطور عبر الزمان والمكان دون أن يعرف إلى آى مدى سوف يصل.

  • رؤية العين خارجية أو ظاهرية وليست مجهرية

الإنسان يبصر الظاهر ولكنه لا يبصر الباطن فمثلا نرى الشجرة ولكن لا نرى مكوناتها من الداخل ويعنى ذلك أننا نبصر الشئ ولكن لا نرى حقيقته إلا بالعلم والدراسة, على الرغم من أن وجود الباطن يعنى  حقيقة الظاهر, إلا أننا نرى من الحقائق الظاهر فقط.

  • صفات الرؤية فى العين

قد تتفوق بعض الكائنات الأخرى على الإنسان فى الرؤية فالطيور مثل الصقر أو النسر, تملك رؤية أكثر وضوحا لأنها تملك عدسة أكثر تحدبا, وكذلك فالأسود أو النمور تملك قدرة على الرؤية ليلا, والعديد من الأمثلة تجعلنا ندرك أن الإنسان قد يستطيع أن يبصر أشياء ولكن لا يستطيع أن يبصر أشياء أخرى أو يبصر كل الأشياء.

  • الخطأ أثناء الرؤية

إننا نبصر إلى أن ينتهى نطاق بصرنا حتى لو استخدمنا مكبر فالخطأ احتمال وارد فقد نرى الشئ المتحرك ساكن أو العكس, فيمكن أن نرى الشمس فى السماء بمجرة درب التبانة ولكن لا يتسع مجال الرؤية لنرى نجوم فى مجرات بعيدة, بل وأكثر من هذا فقد ترى العين المجردة نجم فى السماء ولكنه قد يكون نجم أنتهى واندثر واحترق منذ الآلاف السنين وما يتبقى من آثاره أو ما نراه أمامنا ما هو إلا ضوء نجم فقط أما قصة حياتة فقد أنتهت منذ فترة بعيدة جدا.

  • العين لا ترى صفات مثل اللانهائية

 ويعنى ذلك أن الإنسان يدرك ما حوله من أشياء لها نهاية ولكن لا يمكنه إدراك أو إبصار الأشياء اللانهائية أو الرؤية لا تكون بشكل مطلق بدون حواجز أو حدود ومن هنا يأتى دور البصيرة فيفتح الله علينا بالحكمة فنرى الأشياء اللامتناهية.
ويعنى ذلك أن الحق تبارك وتعالى لا متناهى ولا نهائى فهو يرانا ولكننا لا نراه ويعرف ما فى قلوبنا أو ما فى أنفسنا أكثر مما نعلمه نحن, فإذا فتح الله علينا بالبصيرة نراه بالقلب ولكن لا نراه بالعين وهنا تصبح البصيرة مرآة القلب تعكس الحق وترى النور.

الخلاصة

إن الإنسان يحتاج إلى نص القرآن وإلى الوحى لكى يفهم قوانين كتاب الله تعالى فالبداية تأتى من الوحى والنص, حيث الهدف من نص التشريع الدينى أن يخاطب العقل إلى أن يستقر الإيمان بالقلب.

والهدف من العقل أن يخاطب نص التشريع الدينى, فيأخذ بالأسباب ويرتقى إلى الله وهو مدرك أن مهما بلغ الإنسان من علم فلن يصل إلا لقليل من خزائن علم الله.

فنحتاج العقل لكى نفهم النص وكذلك نحتاج النص لأن العقل وحده ليس معصوما من الخطأ.

فإذا أردنا أن نبلغ بالعلم فلابد أن للعقل أن يخاطب النص أو الوحى, وعند البدء بفهم النص فإننا نؤسس العصمة عند العقل.

وكل من العقل والنص يكملان بعضهما البعض عند الإنسان حيث العقل يحتاج النص والنص يحتاج إلى عقل.


أرجو أن ينال المقال إعجابكم وإلى لقاء قريب بإذن الله


المراجع والمصادر

  • حلقة الإبصار د/ مصطفى محمود. 

  • قناة الناس:- برنامج الطريق إلى الله, حلقة بعنوان الفرق بين علوم البصر وعلوم البصيرة, اضغط هنا.

ليست هناك تعليقات